بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
أما بعد :
أخي المسلم لست أدري كيف يكون حالك وأنت تتلقى رسالة مبعوثة إليك من حبيب هو من أحب الناس إليك، أومن عظيم من عظماء الأرض تهابه نفسك، أومن وجيه من وجهاء الدنيا ذي نفوذ تطمع فيه أن يقضي مصالحك؛لعلك تطير من الفرح لما خصك به من الذكر،وأولاك به من الاهتمام، وربما أخذت الرسالة وانعزلت بها بعيدا كي لايقطع عليك أحد خيط أفكارك وأنت تتدبر كلماتها, وتكرر قراءة جملها،بل لعلك كدت تحفظها إن لم تكن قد فعلت وأنت ترددها على أصحابك تتشرف بها بينهم ، وتذيع خبرها بين أعدائك تفتخرر بها عليهم، أما عن تطبيق فحواها فما أظنك تتكاسل عن ذلك ولا تتقاعس،بل لربما ألغيت مواعيدك،وغيرت برامجك،و وصلت الليل بالنهار حتى يتأتى لك الإتيان بالأمر على أحسن الوجوه ، وأفضل الأحوال، بما ينم عن عظيم تقديرك لصاحب الرسالة وشدة حبك له.
فيا ترى هل في أحبابك من هو أحب إليك من خالقك الذي غطاك بنعمه، وتودد إليك بكلامه،وخاطبك برسالة لوخاطب بها جبلا شامخا ، وحجرا قاسيا ، لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، كما أخبر بذلك في كتابه وهو اللطيف الخبير:
((لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))، نعم أخي المسلم ،تفكر في هذه الرسالة التي لم تسمع الإنس والجن بمثلها، تفكر فيها تعرف صدق حاملها، وعظمة باعثها القائل فيها( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا))، فهوالشاهد والمشهود له، وهو الدليل والمدلول عليه ، الدليل بنفسه على نفسه.
إن رسالة بهذا الشأن لتستلزم من مستقبلها أن يتأدب معها بآداب لو لم يأمر بها صاحب الرسالة عز وجل ، لكان العقل يوجبها والفطرة تجنح إليها، فكيف وهو قد نص عليها في كتابه ،وأمر بها رسوله في حديثه؛ فمن ذلك أنه أمر ورغب في:
1- الإكثار من قراءته:قال رسول الله صلى الله عليه وسلممن قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة و الحسنة بعشر أمثالها لا أقول : { ألم } حرف و لكن : ألف حرف و لام حرف و ميم حرف)[1].
2- حسن قراءته: بأن تكون قراءة مفهومة معبرة تبعث على الخشية بلسان عربي غير أعجمي محاكية لقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في حروفها وأدائها:قال تعالى: { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا } أي: اقرأه على تمهل، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه، قالت عائشة: كان يقرأ السورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها[sup][2][/sup]. وفي صحيح البخاري، عن أنس: أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كانت مدًا[3]. وقال الله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195))). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قراءة : الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله)[sup][4][/sup].وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد)[5].
3-حفظه و تعلمه وتعليمه :فعن عقبة ابن عامر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم ؟ فقلنا يا رسول الله نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل ؟)[6].وقال صلى الله عليه وسلمخيركم من تعلم القرآن وعلمه)[7].
4 - تدبره وفهم معانيه: فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن[8] ،و يقول ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره:قال تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [ النساء: 82] ، وقال تعالى: { كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ } [ص: 29] ، وقال تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24] ، فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتَعلُّم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران: 187] ، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77] .
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون-أن ننتهي عما ذمَّهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تَعَلُّم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه[9].
5- العمل به:فليس المطلوب مجرد القراءة والحفظ للتبرك به أو التباهي بذلك، إنما المقصود امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ومن ترك العمل بالقرآن فقد ضيعه،ويكون حجة عليه يوم القيامة لا له،كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:( القرآن حجة لك أو عليك)[10]. و عن زياد بن لبيد قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال ذاك عند أوان ذهاب العلم قلت يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة قال ثكلتك أمك زياد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيهما)[11].
فانظر وفقني الله وإياك كيف ظن هذا الصحابي الجليل وهو من فقهاء الصحابة أن حفظ القرآن إنما يكون بتعلمه وتعليمه ، فبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الفهم هو فهم قاصر عن المراد من إرسال الله للكتب عموما وإرسال الرسل حيث قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)، و أن الاقتصار على قراءته دون العمل به هو تضييع له وشكل من أشكال هجرانه الذي اشتكى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر عنه ربه حيث قال (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)، يقول ابن كثيرعن تفسير هذه الآية: وذلك أن المشركين كانوا لا يُصغُون للقرآن ولا يسمعونه، كما قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26] وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه. فهذا من هجرانه، وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدولُ عنه إلى غيره -من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره -من هجرانه.
وختاما أسأل لله العظيم أن يجعلني وإياك من أهله وخاصته الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن لله تعالى أهلين من الناس : أهل القرآن هم أهل الله و خاصته)[12]، وأن ينفعنا بما علمنا،و يعلمنا ما ينفعنا و يزيدنا علما، إنه على ذلك قدير ، والله ذوفضل عظيم.
عبد الحكيم
[1] صحيح الجامع.
[2] صحيح مسلم.
[3] تفسير ابن كثير.
[4] صحيح الجامع.
[5] صحيح الجامع.
[6] صحيح مسلم.
[7] البخاري.
[8] انظر تفسير الطبري.
[9] من مقدمة تفسير ابن كثير.
[10] صحيح مسلم.
[11] صحيح ابن ماجة.
[12] صحيح الجامع.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين.
أما بعد :
أخي المسلم لست أدري كيف يكون حالك وأنت تتلقى رسالة مبعوثة إليك من حبيب هو من أحب الناس إليك، أومن عظيم من عظماء الأرض تهابه نفسك، أومن وجيه من وجهاء الدنيا ذي نفوذ تطمع فيه أن يقضي مصالحك؛لعلك تطير من الفرح لما خصك به من الذكر،وأولاك به من الاهتمام، وربما أخذت الرسالة وانعزلت بها بعيدا كي لايقطع عليك أحد خيط أفكارك وأنت تتدبر كلماتها, وتكرر قراءة جملها،بل لعلك كدت تحفظها إن لم تكن قد فعلت وأنت ترددها على أصحابك تتشرف بها بينهم ، وتذيع خبرها بين أعدائك تفتخرر بها عليهم، أما عن تطبيق فحواها فما أظنك تتكاسل عن ذلك ولا تتقاعس،بل لربما ألغيت مواعيدك،وغيرت برامجك،و وصلت الليل بالنهار حتى يتأتى لك الإتيان بالأمر على أحسن الوجوه ، وأفضل الأحوال، بما ينم عن عظيم تقديرك لصاحب الرسالة وشدة حبك له.
فيا ترى هل في أحبابك من هو أحب إليك من خالقك الذي غطاك بنعمه، وتودد إليك بكلامه،وخاطبك برسالة لوخاطب بها جبلا شامخا ، وحجرا قاسيا ، لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله، كما أخبر بذلك في كتابه وهو اللطيف الخبير:
((لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ))، نعم أخي المسلم ،تفكر في هذه الرسالة التي لم تسمع الإنس والجن بمثلها، تفكر فيها تعرف صدق حاملها، وعظمة باعثها القائل فيها( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا))، فهوالشاهد والمشهود له، وهو الدليل والمدلول عليه ، الدليل بنفسه على نفسه.
إن رسالة بهذا الشأن لتستلزم من مستقبلها أن يتأدب معها بآداب لو لم يأمر بها صاحب الرسالة عز وجل ، لكان العقل يوجبها والفطرة تجنح إليها، فكيف وهو قد نص عليها في كتابه ،وأمر بها رسوله في حديثه؛ فمن ذلك أنه أمر ورغب في:
1- الإكثار من قراءته:قال رسول الله صلى الله عليه وسلممن قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة و الحسنة بعشر أمثالها لا أقول : { ألم } حرف و لكن : ألف حرف و لام حرف و ميم حرف)[1].
2- حسن قراءته: بأن تكون قراءة مفهومة معبرة تبعث على الخشية بلسان عربي غير أعجمي محاكية لقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في حروفها وأدائها:قال تعالى: { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا } أي: اقرأه على تمهل، فإنه يكون عونا على فهم القرآن وتدبره. وكذلك كان يقرأ صلوات الله وسلامه عليه، قالت عائشة: كان يقرأ السورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها[sup][2][/sup]. وفي صحيح البخاري، عن أنس: أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كانت مدًا[3]. وقال الله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195))). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قراءة : الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله)[sup][4][/sup].وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد)[5].
3-حفظه و تعلمه وتعليمه :فعن عقبة ابن عامر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم ؟ فقلنا يا رسول الله نحب ذلك، قال: أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع ومن أعدادهن من الإبل ؟)[6].وقال صلى الله عليه وسلمخيركم من تعلم القرآن وعلمه)[7].
4 - تدبره وفهم معانيه: فقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن[8] ،و يقول ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره:قال تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } [ النساء: 82] ، وقال تعالى: { كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ } [ص: 29] ، وقال تعالى: { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } [محمد: 24] ، فالواجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه من مظانه، وتَعلُّم ذلك وتعليمه، كما قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران: 187] ، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [آل عمران: 77] .
فذم الله تعالى أهل الكتاب قبلنا بإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها، واشتغالهم بغير ما أمروا به من اتباع كتاب الله، فعلينا -أيها المسلمون-أن ننتهي عما ذمَّهم الله تعالى به، وأن نأتمر بما أمرنا به، من تَعَلُّم كتاب الله المنزل إلينا وتعليمه، وتفهمه وتفهيمه[9].
5- العمل به:فليس المطلوب مجرد القراءة والحفظ للتبرك به أو التباهي بذلك، إنما المقصود امتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ومن ترك العمل بالقرآن فقد ضيعه،ويكون حجة عليه يوم القيامة لا له،كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم:( القرآن حجة لك أو عليك)[10]. و عن زياد بن لبيد قال ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقال ذاك عند أوان ذهاب العلم قلت يا رسول الله وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة قال ثكلتك أمك زياد إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل لا يعملون بشيء مما فيهما)[11].
فانظر وفقني الله وإياك كيف ظن هذا الصحابي الجليل وهو من فقهاء الصحابة أن حفظ القرآن إنما يكون بتعلمه وتعليمه ، فبين له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا الفهم هو فهم قاصر عن المراد من إرسال الله للكتب عموما وإرسال الرسل حيث قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)، و أن الاقتصار على قراءته دون العمل به هو تضييع له وشكل من أشكال هجرانه الذي اشتكى منه رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر عنه ربه حيث قال (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)، يقول ابن كثيرعن تفسير هذه الآية: وذلك أن المشركين كانوا لا يُصغُون للقرآن ولا يسمعونه، كما قال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } [ فصلت : 26] وكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه. فهذا من هجرانه، وترك علمه وحفظه أيضا من هجرانه، وترك الإيمان به وتصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدولُ عنه إلى غيره -من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره -من هجرانه.
وختاما أسأل لله العظيم أن يجعلني وإياك من أهله وخاصته الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن لله تعالى أهلين من الناس : أهل القرآن هم أهل الله و خاصته)[12]، وأن ينفعنا بما علمنا،و يعلمنا ما ينفعنا و يزيدنا علما، إنه على ذلك قدير ، والله ذوفضل عظيم.
عبد الحكيم
[1] صحيح الجامع.
[2] صحيح مسلم.
[3] تفسير ابن كثير.
[4] صحيح الجامع.
[5] صحيح الجامع.
[6] صحيح مسلم.
[7] البخاري.
[8] انظر تفسير الطبري.
[9] من مقدمة تفسير ابن كثير.
[10] صحيح مسلم.
[11] صحيح ابن ماجة.
[12] صحيح الجامع.
الإثنين مارس 25, 2013 1:15 pm من طرف Admin/تقوى الله
» { ليت الدنيا مثل امي ..! }»
الأحد يونيو 03, 2012 12:06 pm من طرف Admin/تقوى الله
» قصة وموعظة
الأحد مارس 25, 2012 9:53 pm من طرف Admin/تقوى الله
» حرف واحد لكن احذروه !!
السبت مارس 24, 2012 7:37 pm من طرف Admin/تقوى الله
» الإعجاز العلميّ في الصِّيام
الثلاثاء أغسطس 16, 2011 3:59 pm من طرف الواثقة بالله
» أحلى ترحيب للقابضة الجديدة أم ثاابت
السبت أكتوبر 09, 2010 7:07 pm من طرف Admin/تقوى الله
» نسب النبي صلى الله عليه وسلم
الإثنين سبتمبر 13, 2010 10:08 pm من طرف Admin/تقوى الله
» أبــــــو بكـــر الصديـــــــــق -رضي الله عنه-
الإثنين سبتمبر 13, 2010 10:06 pm من طرف Admin/تقوى الله
» أســـــامة بن زيـــــــــد
الإثنين سبتمبر 13, 2010 10:03 pm من طرف Admin/تقوى الله